الاثنين، 29 أكتوبر 2012


 فنجان قهوة في أقدم مقاهي بنغازي( قهوة تيكه).


عبد السلام الزغيبى


عند الحديث عن أي مدينة لا نستطيع ان ننسى الحديث عن المقهى الذي يمثل جزا مهما من ثقافة المدينة، بمجموعة قيمها ومفاهيمها التي تتحكم في سلوكيات اهلها.

تعتبر المقاهي في ليبيا عموما ومدينة بنغازي خصوصا ذات طابع مميز لدى فئة كبيرة من المجمتع أصبح عندهم ذهاب إلى المقهى.. طقس يومي عتيد يعرفه كل الرجال منذ عشرات السنين، حتى اشتهر عند العديد بأنه البيت الثاني للرجل. فهو يقصده كل يوم دون كلل أو ملل، يجلس به لساعات طوال.

وكان من عادات اهل بنغازي وبشكل خاص رجالها شرب قهوة الصباح في احدى المقاهي التي أ نتشرت في المدينة بعد أن أصبحت مركزا تجاريا وحضاريا باعتبارها ثاني اكبر المدن الليبية، بعد توافد المهاجرين اليها من كل اصقاع ليبيا دون استثناء،مما زاد من الحاجة لمزيد من اماكن الاستراحة،والترفيه.

والمقاهي بإضافة الى كونها تقدم للجالس فيها خدمات تنحصر بتقديم الشاي والقهوة وبعض المشروبات الاخرى، وبعض العصائر الاخرى، فانها لعبت الدور الاساسي في الحياة السياسية والاجتماعية ،والثقافية في بنغازي ، ليتحول المقهى إلى مرآة عاكسة للمجتمع وتعبير عن نبض الشارع واهتمامات الناس ومؤشر لتوجهاتهم.

أكتب موضوعي هذا وأنا في أحد اقدم مقاهي المدينة، وهو مقهى "تيكه" العتيق، أحتسي قهوتي وأشم عبق التاريخ في كل الأرجاء أسمع قرقعة الفناجين وماكينة القهوة الايطالية تعزف موسيقاها مع الأصوات المتناثرة هنا وهناك، وتزداد الأحاديث طرافة وتشويق،وحدة، وعناد، في بعض الاحيان عندما تكون تدور حول جلسات المؤتمر الوطني العام.وفي احيان اخرى حول مباريات الدوري الاوروبي.

ومن على الكرسي أشاهد أجواء المدينة،والسيارات المارة،والناس التي تتجول هنا وهناك، لقضاء مصالحها،ومبنى البريد الرئيسي، الذي تم بناؤه في عام 1963خافت الاضواء امامي بعد ان كان في الماضي يضج بالحيوية والنشاط، وكشك الجرائد القديم لـ( سي مفتاح الحداد) الذي وضع في هذا المكان في الستينيات وظل مع كشك الطشاني،مكان تزود سكان بنغازي بالمعرفة، والذي ازيل في الثمانينات،في عهد القذافي،وبعد اسبوع مات صاحبه من الزعل والكمد حسرة ليه! وعلى يميني تقبع مكتبة قورينا التي تصارع وتتحدى الزمن!
وأتذكر كيف كانت تلك المقاهي بأجوائها ، من طاولات وكراسي تشدك إليها دون ملل أو ضجر، وروائح القهوة الزكية ، ولكن واقع الحال يقول غير ذلك.

ومن أشهر مقاهي مدينة بنغازي ، التي كانت تضم صفوة ونخبة المجتمع في `ذلك الوقت، مقهى العرودي بميدان البلدية ، الذي كان من أشهر رواده شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي، الشاعر رجب الماجري.
وهو ما كان يشكل صالونا أدبيا ، بمعني أن المجتمعين كانوا يتدارسون فيه الأدب والثقافة .. وبالتالي يساهمون في تطوير ثقافة المدينة. 

وهناك مقهى الترهوني ، الذي كان مفضلا للشاعر على الفزاني .ومقهى سوق الحوت، حيث كان الشاعر المرحوم عبد ربه الغناي، يجلس فيه بانتظام. و مقهى العمال بشارع عمرو بن العاص، ومن أشهر رواده الأستاذ طالب الرويعي ، والقاص المرحوم يوسف الدلنسي ، والنقابي المرحوم رجب النيهوم .أما الأديب الراحل خليفة الفاخري ، فكان دائم التردد على المقهى الرياضي في ميدان الشجرة، وعلى مقهى دمشق في شارع عمرو بن العاص. 

وكانت هناك مقاه شهيرة أخرى في مدينة بنغازي، مثل مقهى " سي عقيلة" بشارع نبوس بالقرب من المطبعة الحكومية، وحيث كان يجلس مجموعة كبيرة من الصحفيين والأدباء، منهم الأستاذ أبوبكر عمر الهوني، حسن مسعود عثمان، رشاد الهوني ، والأستاذ محمد على الشويهدي ، وبكر عويضه ، وأيضا المرحوم السنوسي الهوني ، والأستاذ أحمد الحريري ، والأستاذ محمد اوريث ، والأستاذ أنيس السنفاز ، والأستاذ عبد الرازق بوخيط 
إلى جانب مقاه أخرى مثل مقهى شمسه ، ومقهى الترهوني ، ومقهى بالتمر وجميع هذه المقاهي تقع بشارع عمرو بن العاص. هناك أيضا ، مقاه بأقواس الفندق البلدي، ومقهى هلال، وأمامه، مقهى الطرابلسي ، ثم مقهى الحاج بريك بسينما هايتي، ومقهى المجذوب ، وكذلك مقهى بوبكر بن قبلية بسوق الجريد ، عند مدخل شارع بالة . ومقهى العبود بشارع بن شتوان وهو امتداد قصر حمد ، ومقهى ستالين بشارع الشريف ، هناك أيضا مقاه مثل مقهى نجمي على الكورنيش، ومقهى ميدان الحدادة ، ومقهى تيكة أمام البريد الرئيسي، ومقهى أكرم في شارع عمر المختار، وهناك كان يتردد، الناقد حسين مخلوف،والاديب محمد وريث
وفي منطقة البركة - مثل مقهى بن غزي - وفي سيدي حسين - مثل مقهى بوزغبية. ومقهى الوحدة العربية(مقهى على شمالي، الامازيغي، الناصري في شارع قزير، ومقهى علي العربي بجانب مصرف الوحدة، ومقهى البحارة بشارع فييتورينو، ومقهى التونسي بشارع مصراته.

ويدورحديثنا هذه المرة عن مقهى تيكا،الذي يقع مقابل " البريد الرئيسي" وهو يعتبر من اقدم مقاهي المدينة،و الذي فتح ابوابه لاول مرة في عام 1948 بأدارة الحاج مفتاح حسن تيكه، الذي استأجر المكان من السيد مبارك السوسي. والحاج مفتاح عمل كسفرجي في الديوان الملكي حيث يتم استدعائه عند الاحتفالات الرسمية التي تقام هناك. وقد اشرف بنفسه على ادارة المقهى حتى عام 1992، وتوقف لمرضه حتى توفى عام 1996،وتناوب على العمل في المقهى كل من سالم التاورغي، وفضيل الحضيري،وعامل مصري اسمه السيد، خلفه مصري اخر اسمه مسعود، وفي اثناء العطلات الصيفية، كان ادارة المقهى تذهب في احيان كثيرة للحاج المهدي تيكة شقيق الحاج مفتاح.

ويحكي احميده علي تيكه، ابن صاحب المقهى، فيقول: «يظن الناس أن المقهى الشعبي قد انتهى، وهذا خطأ، فلا يزال المقهى الشعبي يحظى بإقبال كبير، حيث يقوم بخدمة زبائنه منذ افتتاحه وحتى الان،بكراسيه وطاولاته المنتشرة امام المقهى وتحت اقواس شارع عمر المختار، حتى عام 1976، حيث امرت سلطات الامن(المباحث العامة) بمنع وضع الطاولات والكراسي خارج المحل، لاسباب سياسية منعا للتجمع، وانتقاد النظام خاصة بعد احداث الطلبة في عام 1976، ولم يعود الحال الا بعد انبلاج ثورة 17 فبراير 2011. وقفل المقهى عام 1983 لمدة عامين، مثله مثل غيره من المقاهي، بعد تجميد النشاط التجاري في البلاد، وهو احد القرارات الغريبة لنظام القذافي.

ويتابع احميده على حكايته فيقول:على مقاعد المقهى جلس الكتاب،والشعراء والرياضيين، منهم على سبيل المثال: الدكتور عبد الواحد خليل،محمد علي البسيوني، السيد بومدين، صالح السنوسي، عمر الككلي وعلى الرحيبي وعبدالسلام شهاب ،احمد الفيتوري،محمد الاصفر، محمد المسلاتي،والصحفي الرياضي عبد المجيد الفيل،وزين الدين بركان، والمخرج مفتاح بادي، ولاعب الكرة مصطفى الشطيطي، والمدرب عثمان زغبية، والرياضي فتحي سويري،ومدرب الاهلي البنغازي، الانجليزي طومسون،ومدربين من تونس والجزائر والمغرب ،واللاعبين، عمر القزيري وعلي مرسال وعلي الميار، واحمد الفلاح ورمضان اشبير. ومن الاجانب كان يتردد عليه بصورة منتظمة، البحارة اليونانيين الذين كانوا يرقعون شباكهم عند مدخل ميناء بنغازي،يتمتعون جميعهم بشرب القهوة العربية على الفحم في بداية الامر ، حتى عام 1963، وبعد فتح البريد الرئيسي وزيادة الطلبات، جلب الحاج مفتاح، ماكينة ايطالية لصنع القهوة والكاباتشينو والاسبريسو. 

كما يتردد على القهوة، الموظفين والمخبرين والعاطلين والمتقاعدين، يتناقشون في كل المواضيع من الرياضة الى السياسة،يحتسون القهوة العربية،التي تزال القهوة تحتل حصة الأسد من طلبات الزبائن في المقاهي الشعبية، أخبرنا أحدهم أنه حتى لو شرب قهوته في منزله، إلا أن ارتشافها في "مقهى تيكه" لها طعم مختلف بينما يأتي طلب الشاي وباقي المشروبات في المقام الثاني.

ويضيف احميده تيكه، ويروي نوادر وحكايات القهوة قبل وبعد ثورة 17 فبراير، فيقول انه في احد اعوام التسعينيات حضر الى المقهى احد الزبائن المعروفين، بعملهم في جهاز الامن الداخلي، ومعه صورة كبيرة لحاكم ليبيا السابق(القذافي) داخل برواز جاهز، وقام بتعليق الصورة في احد اركان المقهى مما اثار سخط واستهجان الزبائن،الذين كانوا يجتمعون عادة في اقصى ركن في المقهى، ويتحدثون بصوت خفي في امور البلاد، وبمجرد دخول احد المخبرين، يتغير مسار الحديث لينتقل الى امور الكورة، وكان كود تغيير المسار هو كلمة( شنو صار في فريق الاهلي أمس)، واستمر الحال على ماهو عليه،لانه في ذلك الوقت لم يستطع احد معارضة الامر بشكل واضح!!ومن النوادر الذي يحكيها احميده علي.. ان فرقة من الحرس البلدي مع رجال الامن السري، حضروا الى المقهى في اغسطس 2010 أي قبل موعد الاحتفال بانقلاب سبتمبر، عند الساعة العاشرة صباحا ، والزبائن جالسين على المقهى، طلبوا منه اخراج الزبائن واقفال المحل لساعات من اجل طلائه باللون الاخضر، مشاركة في الاحتفال!!.

اما المقهى بعد اندلاع ثورة 17 فبراير وبسبب قربه من ساحة التحرير، فقد شهد رواجا من الزبائن الذين كانوا يتابعون الاحداث، وكذلك شهد تجمع عدد كبير من الاعلاميين والصحفيين الاجانب الذين حضروا من كل مكان لمتابعة الاحداث عن قرب، وتناول المشروبات الباردة والساخنة ومن بين هؤلاء مراسلين قنوات عربية مثل الجزيرة والعربية والتلفزيون المصري، وقناة 24 فرنسا،بي بي سي،ومحطات امريكية واوروبية مشهورة. 

وبعد ان انتهيت من الحديث مع صاحب المقهى، توقفت الذاكرة، وتوقفت الكتابة وتوقف التدوين، فالساعة التي أمامي، تشير الى الساعة الواحدة ظهرا، وهو موعد قفل المقهى، وتعلن عن قرب مغادرتي المكان، لملمت أوراقي وتفقدت أشيائي، وغادرت وأنا أودع مبتسماً صاحب المقهى، ورواده، على أن نلتقي في وقت اخر، اطفئت الانوار في المقهي، استعدادا لقفل أبوابه، ولكنه سيعاود فتحه من جديد بعد العصر، فالمقاهي في هذه المدينة لا تصد أبوابها، عن روادها وعن كتابها وفنانيها وناسها ومواطنيها.

أنها دعوة للاهتمام بتاريخ المقاهي في بنغازي وتوثيقها، خدمة لتراث هذه الأمة،لتعود للقيام بدورها الثقافي، المتمثل في هذا التجمع العفوي اليومي. المدينة التي يعاني مثقفوها وأدبائها من قلة توفر المقاهي الأدبية، او ما يقوم مقامها وباعتبار ان المقهى يمثل ملتقى يومي دائم لهم. ملتقي الإبداع والثقافة والفن والسياسة والناس والشعوب، طالما هناك من يرعاها ويحافظ عليها، ويعتبرها إرثاُ ثقافياُ وأدبياُ شأنها شأن أي موروث تحتويه المدينة، يتوارثه الأجيال جيلاُ بعد جيل، معرفا بتاريخ المدينة وتاريخ مبدعيها. 

الخميس، 4 أكتوبر 2012

بنغازى: صور من ذاكرة بنغازي

بنغازى: صور من ذاكرة بنغازي

بنغازى:



صور من ذاكرة بنغازي


صور من ذاكرة بنغازي


صور من بنغازي


صور من ذاكرة بنغازي




بنغازي... شئ من الذكريات


عبد السلام الزغيبي



تحكي كتب التاريخ عن أنها كانت مشيّدة عندما تم تأسيسها في الربع الأول من القرن السادس قبل الميلاد كمدينة يونانية قديمة, فوق مرتفع من الأرض يطلق عليه في الوقت الحاضر (سبخة السليماني) وتوجد بها (مقبرة سيدي عبيد), وكانت هذه السبخة في زمنها القديم عبارة عن بحيرة عميقة, حين تم تجفيفها تحول سكانها عنها متخذين مكانا قريبا من ساحل البحر الأبيض المتوسط, وهو المكان الذي يطلق عليه حاليا (سيدي خريبيش) وتوجد فيه مقبرة تحمل هذا الاسم, في الوقت الذي استطاعت فيه أرضه الاحتفاظ ببعض البقايا الأثرية, لكنها في كل الأحوال لم تكن بنفس حجم الآثار التي كان يتوقع وجودها في مدينة مثل بنغازي شهدت العديد من الأحداث المهمة في التاريخ, ومر عليها عشرات الغزاة والمقامرين والفاتحين, واختيرت مركزا للحكم ونقطة ارتكاز مهمة في معظم العصور.
(بنغازي) التي كان يطلق عليها في الأسطورة (حديقة التفاح الذهبي) بعد أن أهدتها الأرض إلى الإلهة (هيرا) في مناسبة زواجها من كبير الآلهة (زيوس), عرفت عبر تاريخها بأسماء عدة من بينها (يوسبريدس), كواحدة من أوائل المدن اليونانية القديمة قبل أن يتحول اسمها في العصر البطلمي إلى (برنيكي) عقب زواج بطليموس الثالث من أميرة البلاد في ذلك الوقت (برنيكي) ابنة ماجاس ووريثة عرشه والتي قام ابنها فيما بعد باغتيالها, لكنها أصبحت برنيق) في الفترة الإسلامية, حتى أطلق عليها (بنغازي) اعتباراً من القرن الخامس عشر الميلادي نسبة إلى مقبرة الشيخ المدفون فيها.
وكان تاريخ بنغازي مع الإسلام قد بدأ اعتباراً من العام 642م, حين قاد عمرو بن العاص جيوش الفتح الإسلامي إلى ليبيا متخذا من مدينة (باركي) عاصمة, بعد تحوير الاسم إلى (برقة) وإطلاقه على الإقليم الذي كان في السابق يسمى (كورينايكا) نسبة إلى مدينة (كوريني), ويتقاطع تاريخ تلك المدينة وتختفي الكثير من أحداثه عبر سنوات طويلة مجهولة, إلى أن يسجل أنه عقب الفتح الإسلامي بنحو أربعمائة عام تشهد المدينة هجرات (بني هلال) و(بني سليم) وتعرضها لما وصف بالاضمحلال, ثم تضيع أربعمائة سنة أخرى من الوقائع التاريخية للمدينة, ليسجل بعد ذلك أن إطلاق اسم (ابن غازي) تم في العام 1450م, وهو الرجل الذي تقول بعض الروايات إنه قاد عدداً من التجار قدموا من مدن (مصراته, تاجوراء, زليتن, مسلاتة) ووفدوا على بنغازي التي سميت (ابن غازي)ثم) (بني غازي) وهو الاسم الحالي*.
هذه هي بنغازي كم قال التاريخ ، أما بنغازي الذي أعرفها فأقول فيها…
لقد نسيت كل أسفاري وما عدت أستطيع أن أذكر ملامح أية مدينة في العالم سوى مدينة واحدة اذكرها، أذكرها طيلة الوقت. تركت جزءا هاما من حياتي فيها. في ازقتها وشوارعها وميادينها وأشجارها وشواطئها.. في عيون وضحكات اطفالها، وكبرياء رجالها ونسائها،وناسها الطيبين.
إنها بنغازي.. شارع العقيب حيث تفتح العينين النهمتين على الحياة.. وسعاية شارع الحشر ولعب الكورة والبطش والتصاوير والليبرة والوابيس..والزغادي.. نادي النجمة.. ودكان التركي.
مدرسة اللواحي.. شارع البزار وشارع قصر حمد.. جامع السنوسية والفقي عمران..كوشة الصالحين.. وحوش منينة.
ميدان الشجرة.. سينما النهضة..المقهى الرياضي.. عمارة بن هلوم.. الكنيسة.. سينما الحرية.. بردوشمو.. الميناء .. الكابترانيا.. الجامعة الليبية.. سينما ريكس.. سينما برنيتشي.. ونادي الاهلي.
سوق الحوت.. السيقراسيوني.. الجابية.. بودراع.. جامع بن كاطو .. البريد.
شارع ادريان بلنت.. الاذاعة.. مفوضية الكشافة.. نادى الهلال..بحر جليانة.. قاريونس.. الهواري.. والقوارشة.
شارع قزير.. الشابي..الزاوية الرفاعية..سيدي خريبيش.. التوريلي..اللثامة.. والمنقار.
ميدان البلدية.. شارع سيدي سالم.. بوعشرين.. سوق الظلام..ميدان الحدادة.. الجامع العتيق.. سينما 9 اغسطس..سوق الجريد.. وسوق بوغولة .
شارع عمرو بن العاص..مقهى دمشق.. السفارة الايطالية..مطعم سي خليفة..السكابلي..مدرسة الامير.. المدرسة الايطالية..المدرسة النموذجية.. مكتبة الخراز.. المطبعة الحكومية.. مطعم بوحلفاية.. مدرسة الاميرة.. ضريح عمر المختار.. معمل شفيق..الفندق.. سينما هايتي..ونادي التحدي.
الصابري.. سيدي عبيد..سوق احداش.. السلماني.. ورأس عبيدة.. الحميضة.. بوزغيبة.. الماجوري.
سيدي حسين .. الجبانة.. مدرسة التحرير.. مدرسة سيدي حسين.. أحميده فاصوليا..السيلس.. ملعب 24 ديسمبر.. الكيش..السبالة.. سيدي عبد الجليل.. البركة.. الرويسات.. شارع عشرين.. وشارع الكاروات.
الفويهات.. الداقادوستا.. البوسكو.. الملاعب الخمسة.. جريدة الحقيقة..وشارع البيبسي

مقاهي بنغازي... صحبة وأنا معهم !


مقاهي بنغازي... صحبة وأنا معهم !





لا يحلو السهر والسمر في رمضان هذا العام الذي يأتي مختلفا وبطعم خاص، خاصة بعد غياب طويل عن ارض الوطن، إلا بالجلوس في المقاهي،أو ما يعرف في بنغازي باسم ( القهوة) كناية عن المكان الذي تحتسى فيه فناجين القهوة.وقد اخترنا نحن شلة الفنانين والصحفيين مكانا نجتمع فيه كل ليلة من ليالي رمضان، هو مقهى سوق الحوت (سوق الأسماك) حيث توجد واحدة من أقدم المقاهي في وسط المدينة، نحتسي الشاي الأخضر، والقهوة العربية وقهوة "المكياطه" التي هي عبارة عن قهوة اسبرسو ايطالية يضاف إليها الحليب أو القشدة. كما تقدم النارجيلة أو ما يعرف بـ" الشيشة". نتجمع في هذا المكان المفتوح، نشاهد القنوات الفضائية، لمتابعة أخبار معارك الثوار على جبهات القتال في مصراته والبريقة والجبل الغربي، ضد كتائب الطاغية القذافي. نتناقش في كل شيء بحرية وبدون محرمات، في المسرح وبرامج التلفزيون ،مشاكل الشارع الليبي، ننتقد سياسات المجلس الانتقالي، وساحة التحرير، وهي أشياء افتقدناها لسنوات طويلة. 
صحبتي في هذه الأمسيات الرمضانية كوكبة من أهل الفن والصحافة، هم المسرحي علي الفلاح، الحريص على تزويدنا بأخر الأخبار الطازجة من جبهات القتال وأخبار النت والفضائيات، ويضيف إليها تحليلاته ونقده للأوضاع. والمخرج التلفزيوني مفتاح بادي، وسخريته وقفشاته اللاذعة. والكاتب الساخر أحمد التهامي، وملاحظاته الذكية، وضحكته المميزة. والفنانان أسامة بركة ومحمد القلاي، وحضورهما المميز في طرح الأسئلة وفتح باب الحوار والنقاش في قضية معينة. والمبدع أحمد العريبي، وكاميرته الذكية التي ترصد كل التفاصيل. والمؤلف المسرحي خليفة الحوات،الذي لا يحضر بانتظام، لكنه دائما يأتينا بالجديد! والممثل محمد الصادق، وانتقاده وملاحظاته حول اداء الاعلام الليبي، بعد ثورة 17 فبراير.
والصحفي المصري المخضرم براء الخطيب، ومشاريعه الصحفية، وحكاياته المثيرة الشيقة. 
وهذا المقهى الذي نرتاده يوميا، يمكن اعتباره مقهى ثقافي، مثل غيره من المقاهي الثقافية المنتشرة في الكثير من البلاد العربية، التي أصبحت بعد تجاربها الرائدة مقاه لنشر الثقافة، تجتمع فيها الفعاليات الثقافية، تداول فيها الأفكار، وتنتقل من النخبة ليمتد تأثيرها على عامة البشر. 
وقد نجحت تجربة المقهى الثقافي في ليبيا، وازدهرت في الخمسينيات والستينيات وحتى بدايات السبعينيات، و شكلت المقاهي في بنغازي جزءا كبيرا من التكوين الثقافي و الاجتماعي.وكان لها تأثير كبير على المجتمع الليبي.وكان للمثقفين الليبيين دور مهم في نشر الوعي السياسي بين عموم الشعب، الذي تحقق بفعل اللقاءات، التي تحولت إلى ما يشبه الصالونات الأدبية والفكرية ، وكان لها الأثر الكبير في خلق مناخ ثقافي متميز، إلى أن اندثرت تلك العادة، بزوال روادها، لعدة أسباب منها ، سعى النظام إلى تخريب المقاهي، ووصل الأمر في الثمانينيات، إلى إغلاق بعضها بحجج مختلفة،أو إلى تحويل إدارة المقاهي من الأفراد إلى الدولة ، من اجل التجسس على روادها،لخوفه من خطر تواجد مجموعة من الناس في مكان واحد،وحتى لا يتحول المقهى إلى مركز للمعارضة لسياسته، فعمل بكل جهد ضد ثقافة المقهى بعمومها. 
ومن أشهر مقاهي مدينة بنغازي ، التي كانت تضم صفوة ونخبة المجتمع في `ذلك الوقت، مقهى العرودي بميدان البلدية ، الذي كان من أشهر رواده شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي،وكان له كرسي دائم في المكان، وكانت نخبة من الشعراء الشباب - منهم الشاعر الكبير رجب الماجري - يلتفون حوله. 
وهو ما كان يشكل صالونا أدبيا ، بمعني أن المجتمعين كانوا يتدارسون فيه الأدب والثقافة .. وبالتالي يساهمون في تطوير ثقافة المدينة. 
وهناك مقهى الترهوني ، الذي كان مفضلا للشاعر على الفزاني .ومقهى سوق الحوت، حيث كان الشاعر المرحوم عبد ربه الغناي، يجلس فيه بانتظام. و مقهى العمال بشارع عمرو بن العاص، ومن أشهر رواده الأستاذ طالب الرويعي ، والقاص المرحوم يوسف الدلنسي ، والنقابي المرحوم رجب النيهوم .أما الأديب الراحل خليفة الفاخري ، فكان دائم التردد على المقهى الرياضي في ميدان الشجرة، وعلى مقهى دمشق في شارع عمرو بن العاص. 

وكانت هناك مقاه شهيرة أخرى في مدينة بنغازي، مثل مقهى " سي عقيلة" بشارع نبوس بالقرب من المطبعة الحكومية، وحيث كان يجلس مجموعة كبيرة من الصحفيين والأدباء، منهم الأستاذ أبوبكر عمر الهوني، حسن مسعود عثمان، رشاد الهوني ، والأستاذ محمد على الشويهدي ، وبكر عويضه ، وأيضا المرحوم السنوسي الهوني ، والأستاذ أحمد الحريري ، والأستاذ محمد اوريث ، والأستاذ أنيس السنفاز ، والأستاذ عبد الرازق بوخيط. 
إلى جانب مقاه أخرى مثل مقهى شمسه ، ومقهى الترهوني ، ومقهى بالتمر . وجميع هذه المقاهي تقع بشارع عمرو بن العاص. هناك أيضا ، مقاه بأقواس الفندق البلدي، مثل مقهى الشامالي، ومقهى هلال، وأمامه، مقهى الطرابلسي ، ثم مقهى الحاج بريك بسينما هايتي، ومقهى المجذوب ، وكذلك مقهى بوبكر بن قبلية بسوق الجريد ، عند مدخل شارع بالة . ومقهى العبود بشارع بن شتوان وهو امتداد قصر حمد ، ومقهى ستالين بشارع الشريف ، هناك أيضا مقاه مثل مقهى نجمي على الكورنيش، ومقهى ميدان الحدادة ، ومقهى تيكة أمام البريد الرئيسي، ومقهى أكرم في شارع عمر المختار، وهناك كان يتردد، الناقد حسين مخلوف،والاديب محمد وريث.
وفي منطقة البركة - مثل مقهى بن غزي - وفي سيدي حسين - مثل مقهى بوزغبية. ومقهى الوحدة العربية في شارع قزير، ومقهى علي العربي بجانب مصرف الوحدة، ومقهى البحارة بشارع فييتورينو، ومقهى التونسي بشارع مصراته.

وفي السنوات العشر الأخيرة، ظهر على السطح، مقهى ( المنتدى الإذاعي) الذي كان يديره بجدارة، سالم الزياني، وهو ملتقى الشعراء والأدباء والفنانين، والإعلاميين.وقد جرت عدة محاولات لا علاقة من رجال النظام ، بحجج مختلفة
إلى جانب مقهى الغزالة في ميدان الشجرة، حيث يلتقي الأدباء والنقاد ومنهم الشاعر والكاتب الحبيب الأمين ، والكاتب الصحفي زياد العيساوي، والكاتب محمد سحيم، والكاتب الصحفي عاطف الأطرش، 

أنها دعوة للاهتمام بتاريخ المقاهي في بنغازي وتوثيقها، خدمة لتراث هذه الأمة،لتعود للقيام بدورها الثقافي، المتمثل في هذا التجمع العفوي اليومي،ومع شرب قهوتك اليومية، تقرأ جريدتك الصباحية، ليبدأ يوم جديد على ليبيا الجديدة الحر. 

مصادر- محمد عقيلة العمامي/ مدونة بنغازي عبر التاريخ- مراد الهوني

الكشافة في بنغازي عمل دائم ومستمر من اجل خدمة المجتمع


الكشافة في بنغازي عمل دائم ومستمر من اجل خدمة المجتمع



تعتبر الحركة الكشفية في ليبيا من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي ساهمت مساهمة فعالة في النهوض بالمجتمع الليبي من خلال الخدمات والأعمال التطوعية، ولعبت دوراً بارزاً وميزا وايجابيا في خدمة ليبيا ، منذ تأسيسها على يد القائد "علي خليفة الزائدي" في عام 1954 في طرابلس ثم انتشرت في جميع أنحاء ليبيا .,واستطاعت الحركة برغم الضغوط والصعاب والمشكلات والعراقيل التي واجهتها، أن تحافظ على استقلاليتها التي كانت مهددة، وعلى حضورها المتميز لتبقى صرحاً عالياً وصامداً في مجال العمل الطوعي.
وللوقوف على آخر نشاطات الحركة الكشفية قمنا بزيارة إلى مفوضية كشاف بنغازي، والتقينا مع المفوض العام للحركة، القائد عبد الرحيم الفيتوري.. وسألناه عن وضع الحركة الآن وظروف عملها خلال عهد نظام القذافي، وأهم الصعاب الّتي عانت منها الحركة في العهد السابق،ونشاطها بعد انتفاضة 17 فبراير المجيدة، وخلال شهر رمضان الكريم؟ وكانت إجاباته كالتالي: بدأنا نشاطنا منذ اليوم الأول للانتفاضة 17 فبراير، ومع بداية الأحداث، تعاونا مع الهلال الأحمر الليبي، ومصرف الدم، وتوزعت طلائع الحركة الكشفية على المستشفيات المختلفة في بنغازي ، للمساعدة في تقديم الخدمات الطبية والإسعاف. واستقبال طائرات الإغاثة الطبية. وساهمت المفوضية في عمليات رحيل الرعايا العرب والأجانب برا وبحرا . واستقبال وتوزيع المساعدات الإنسانية القادمة من الدول المختلفة. ونصب خيام للإيواء وتوزيع الوجبات الغذائية على المحتاجين منهم. وكان للكشافة دور كبير في المساهمة في عمليات تسيير المرور في الطرقات العامة، وتنظيم سير المركبات الآلية. كما ساعدت المفوضية في تقديم خدمات التموين والإعاشة، في المطاعم والمطابخ المختلفة التي كانت تقوم بتجهيز المأكولات ، والمساعدة في طهي الطعام، وتوزيع السلع التموينية على المساجد والمؤسسات والمعسكرات. ونقل السلع الغذائية والوقود إلى جبهة القتال في اجدابيا والبريقة ورأس
لانوف. كما شمل نشاط مفوضية بنغازي، الخدمات الاجتماعية من زيارة المصابين في المستشفيات للتخفيف عليهم. وزيارات إلى العائلات النازحة من مناطق القتال.وكونت فرقة المرشدات بالمفوضية لجان خاصة للإغاثة وحصر الأسر المحتاجة، وتقديم الإعانات والمساعدات الإنسانية لها. ولجنة لحصر ومتابعة اسر الشهداء والمفقودين والأسرى والجرحى والعمل على دعمهم معنويا وماديا بالتعاون مع المجلس الانتقالي. وأرسلت الحركة بعثة خاصة لمساعدة النازحين في تونس . كما شاركت كشافة بنغازي في أعمال النظافة بالتعاون مع جمعية الأيادي البيضاء في العديد من حملات النظافة، تحت شعار( مع من اجل نظافة بنغازي). ولم يقتصر نشاط الكشافة على هذه الأعمال، بل قامت بمساعدة الأسر الفقيرة عن طريق توزيع المساعدات الغذائية عليهم في برنامج ( سلة الأسرة) وسلة رمضان التي هي عبارة عن وجبة إفطار وسحور جاهزة مجانية. إلى جانب موائد الرحمن التي تقام في الشهر الفضيل ،كل عام. وعن المصاعب والمشاكل والعراقيل التي واجهت الحركة في العهد السابق، قال مفوض عام الحركة في بنغازي" أن النظام السابق حاول ضمنا لجهات أخرى مثل أشبال وسواعد الفاتح، وعندما رفضنا بدأ يمارس الضغوط علينا، مثل قطع المساعدات المالية التي توقفت منذ عام 1982، والاستيلاء على معسكراتنا ومخيماتنا، كما عانت الحركة من غياب الدعم المالي ، لكن هذا لم يؤثر على عملنا ، فقد اعتمدنا على أنفسنا، وجهودنا الذاتية، وتبرعات المواطنين، واستمررنا في تقديم الخدمات لمجتمعنا الليبي، وأداء واجبنا الوطني والإنساني.

بنغازي... العودة الى النبع الاول


بنغازي... العودة الى النبع الاول





بنغازي... العودة الى النبع الاول

بنغازي/ عبد السلام الزغيبي

المدينة، أي مدينة نعيش فيها ،سواء بنغازي التي عشت فيها، اكثر من ربع قرن من الزمان، أو أثينا التي عشت فيها، نفس السنوات تقريبا، تعيش في أعماقنا دائماً، وبخاصة عندما ترتبط بذكريات الطفولة والصبا، حيث الخطوة الأولى، والكلمة الأولى، والحب الأول.. هذه المدن تسكن فينا، رغم غربتنا، أو ابتعادنا عنها، وغالباً ما تكون هذه الغربة أو الاغتراب مصدر القلق الإبداعي، حيث يغمر الروح حنين لا يقاوم لمدينة ما، أو حبيبة ما، وليس ثمة طريق للهروب منها، سوى الرجوع إليها، عبر الذاكرة المشبعة بالماضي المثير، والزمن البعيد.
وعندما يعود المرء الى مدينته، مسقط رأسه، ليروي عنها حكايات، ويرسم صوراً غائبة، تكاد تندثر وتختفي في ضجة الحياة وغبار السنين، ربما يجد وجه مدينته، أو حبيبته قد تغير، فيحاول أن يزيح عن وجه هذه المدينة العريقة، بعض ما فعله الدهر، والبشر لتبدو، كما عرفها، وكل أبنائها، في ذلك الزمن،هادئة، بهية وساحرة..!
لقد كتب الكثيرون عن المدينة، كل بطريقته، عن مدينته ،الروسي جوجول كتب عن موسكو، ونجيب محفوظ كتب عن القاهرة، وعبد الرحمن منيف كتب عن بغداد.
والكتابة عن المدينة، هي في الواقع، كتابة حكايات الحياة اليومية للناس الذين يمثلون ابطال تلك الحكايات. واذا أردنا الكتابة عن مدينة بنغازي مثلا، فان حكايات ناسها الطيبين، هي المادة الاولى للكتابة عن تلك المدينة. وعندما فكرت في محاولة الكتابة عن بنغازي، وجدت الموضوع عصيا، وترددت كثيرا كيف تكون البداية، هل اكتب عن شوارعها ،ميادينها، مقاهيها، مطاعمها، أم عن حكايات شفهية من ناسها، الذين كانوا شهودا على تاريخها،واخترت أن أقوم برحلة اكتشاف جديدة، لهذه المدينة، حيث استرجع ذكريات الطفولة والصبا ، صوراً وأسماءً ووجوهاً وأماكن ومواقف، ربما غابت عن ذاكرة الكثيرين، واختفت في طيات الزمن، بيد أنها ظهرت، من جديد، حية، واضحة.
احكي عن بنغازي التي عرفتها، عن شوارعها،ميادينها،عن العاب اطفالها،عن مجتمعها،عاداتها وتقاليدها، تراثها، عن كل ما كان يدور ً في حاراتها وأزقتها، وبيوتها، التي لم تفارق وجدانيً، رغم السفر والترحال.. فالمرء لا يستطيع الهرب من ذكريات طفولته، وبالأخص، إذا كان يحمل مدينته في داخل (قلبه) وليس في حقيبة السفر المعلقة على كتفه دائماً، وهو يجوب شوارع المدن البعيدة.
تلك الدنيا التي لم تكن سوى الأحياء القديمة، بشوارعها الضيقة، بناسها وعرباتها البدائية، وبيوتها ودكاكينها ومقاهيها الشعبية. دنيا لها حدود جغرافية غير متناسقة، تبدأ من: شارع العقيب، شارع محمد موسى، فياتورينو، البزار،شارع قصر حمد" الركينة"، الرعيض، نبوس ومقهى ، شمسه، عثمان بحيح، شارع زواره،شارع مصراته، ميدان الحدادة، وراس عبيدة والصابري وسي خريبيش والمنارة، ميدان البلدية، ميدان الشجرة،الصابري عرجون الفل،الشابي، دكاكين حميد، اللثامة شارع جمال عبد الناصر ومحل بوجازية،شارع الشريف، ، سوق الحشيش ودكان سى عثمان الورفلى، وميدان سوق الحوت،صيدلية الجميع، والمعهد العام، ميدان الشجرة ويمتد حتى سيدي حسين والبركة والسبالة، ،وحتى بوزغيبة، الماجوري،..... شوارع تعبرها الكاروات والعربيات، واوتوبيسات الشركة البرقاوية، وقطار سيدي مرعي ( راقد جردينة)،......
كنا صغارا نلعب في الشارع، نحمل الخبز المجهز في البيت للكوشة.. نتشاجر مع اقراننا، وقد تتحول الى معارك بين اطفال هذا الشارع والشارع الاخر، واذا أراد أحد الفريقين مواصلة المعركة ينشد، ويقول: ( اللي يبي الحرب يجينا... نحنا فوق جبل جردينا.... اللي يبي الحرب يوازي.... نحنا فوق جبل بنغازي!)، وعندما يفوز أحد الفريقين، يصيح في الفريق المهزوم، قائلا : ( كارونا غلب كاروكم... جيبوا الشيمة وانكروكم). نلعب الكورة في وسعاية شارع الحشر مرة بكورة الشخشير!ومرة بكورة عشر قروش! ومرات قليلة بكورة فطبل!. نلعب النقيزة،الكمادي، طق طق يا طقية،الكيكس،الزغادي،السيزة، الطقيرة، التصاوير، البطش،( سلفه والعب معاه...!) وابيس، الليبرة، وحلّت واتحل، الزناحة، المقاليع، والنشابة، القيران،نط الحبل، واح واح،الدرجاحة،الدالية،نط الحبل،سبع صبايا،جمل عاشورا، والعربات التي كنا نصنعها بالتل وعلب الحليب الفارغة.
واثناء اللعب، ولاعتقادنا في الحظ،واستخدامه ضد الخصم، نردد هذه العبارة: ( شمبروخ دجاجة عورة... تمشي وكراعها مكسورة) حتى ينقلب حظ الخصم ويخسر اللعب، فترسخ في ذهنه، ان ترديد هذه العبارة كان لها السبب في الخسارة، وهكذا..
ونستخدم عندما كنا اطفالا عبارات متنوعة تختلف في كل حالة، فمثلا اذا وشي احدهم بالاخر، أو دل عليه، نعيره، بقولنا:
البصاص ....طويل الراس / اندقوا رأسه بالمهراس))
ونستمتع بترديد اغاني الطقوس الشعبية والخرافات، فعند النداء من اجل نزول المطر.... نقول،( امك طنبو يا اصغار ... جايا تشحت في لمطار)، وعندما تهطل المطر.. نقول.. ( يا مطر صبي.. صبي .. طيحي حوش الربي، والربي ماعنده شي، امفيت قطيطيسة تعوي. يا مطر يا بشباشا طيحي حوش الباشا. والباشا ما عنه شئ امفيت اقطيطيسة اتموي).
واذا فقدنا احد الاسنان (تبديل اسنان الحليب)،ننتظر شروق الشمس، ونقف في مواجهتها ونرمي السن المخلوعة على اسطح البيوت ونقول( يا شمس يا شموسه.. يا عوينة العروسة...خوذي سن غزال وعطيني سن حمار..!).
وفي بداية العام الهجري،نقوم بوضع مقدار من الجير على عتبة البيت، اشعارا بحلول شهر محرم، وفي اليوم العاشر،نصوم اليوم، وتقوم كل اسرة بطهي الفول والحمص، ونمر نحن على البيوت، بعد صلاة المغرب، ونردد... (عاشورا عاشورتي تنفخ لي زكورتي.... تنفخها وتزيدها.... قولوا من هو سيدها.... سيدها عبد الرحمان....يأكل في خوخ ورمان، ثم نتوقف في انتظار اهل البيت، منشدين هذه العبارات: اللي ماتعطيش الفول، يصبح راجلها مهبول، واللي ما تعطيش الحمص، يصبح راجلها يتلمس!! مما يجعل صاحبة البيت تمدنا بالقليل من البقوليات..
وفي عيد المولد النبوي... 12 ربيع الاول ، نحتفل بحمل القناديل وغناء المواويل الشعبية التي نصدح بها مع بقية الأطفال في هذه المناسبة، ونفرح صبيانا وبناتا، ونلبس الجديد ونطلع في الشارع، نحمل القناديل، ونردد:

هضا قنديل وقنديل يشعل فى ظلمات الليل 
هضا قنديل الرسول فاطمه جابت منصور
هضا قنديل النبى فاطمه جابت على
هضا قنديلك ياحواء يشعل من المغرب لاتوا
وكان بعض الصّبية الاشقياء يقومون بحرق إطارات السيارات القديمة, وكانت هذه العادة تسمى ((الشوّاى)) يستمر الصغار الى ساعات متأخرة من الليل متحلقين حول الإطارات المشتعله. ونحن على مقربة منهم، نصيح ونقول: الشواي كلاته ريشه!!!
وفي الصبح أنوضو، عشان ناكل العصيده المصنوعة من دقيق الفارينا، مضاف اليها رب التمر او العسل مع الزبده أو السمن وهذه عاده دارجة عند اهالي بنغازي. 


وفي الليل نتمتع بزيارة الزاويه الرفاعية، وسماع دقات الطبول والبنادير والاذكار، والمدائح والانشاد في حب الرسول الكريم، وشراء حلوة الزاويه( حلوة تروني وحلوة الديك)،
وعند حلول شهر رمضان نعدو في الشوارع والازقة ونقول في تحذير للمدخنين..( يا شاربين الدخان راهو جاكم سي رمضانّّ!).
واذا ضبط احدهم فاطرا في شهر الصوم، نجري خلفه صائحين :
( فطار في رمضان / انديروا كرشة عصبان!)
وفي ليل رمضان نغني في الشوارع المظلمة...اغاني المناداة والتحفيز على مشاركة القابعين في البيوت على الخروج من منازلهم : ( حارنين على القنان... والقمر توا ايبان... ما بو يطلعوا يلعبوا في الزنقة... خوافين من اليهود لابسين طواقي سود...فراغين بلا بارود...خوافين من النصارة... لابسين طواقي بارة!!).
وكانت متعة شهر رمضان في مشاهدة عروض كراكوز بازاما..
والتسكح في سوق الجريد، والتلذذ بأكل السفنز والزلابيا من بوعشرين!.
والتجول والانطلاق في مرح في ميدان البلدية، وسوق الظلام، اشهر اسواق بنغازي،و كان اصحاب المحلات فى اوقات الصلاة, يخرجون الى المساجد دون ان يقفلوا محلاتهم, واضعين امام مدخل المحل كرسى, او عصاة طويله!!.
ولشهر رمضان مكانة،بسبب عاداته وطقوسه المميزة، والناس يستقبلونه بفرح، فبعد اعلان بدء الصيام، يتم تجهيز المواد اللازمة، والاستعداد،لموائد شهر رمضان العامرة بما لذ وطاب، من التمر والحليب واللبن والماء، الشربة و البطاطا المبطنة والبراك والعصبان والمكرونة المبكبكة.
بعد انتهاء شهر رمضان، يحل علينا عيد الفطر، ونسميه العيد الصغير، وبمجرد ان يهل نستقبله، ليلة العيد ، بهذه الاهزوجة،
(اليوم كبيرة وبكرة عيد ................ أفرح يا بوثوب جديد).
وفي العيد الصغير بعد الصلاة نلبس دبش العيد الجديد، وكندرة من محلات "باتا"، ونعدي نعيد على الاقارب والاصدقاء والجيران.
الذين يوزعون علينا الحلوى والكعك والهدايا والعيدية التي هي عبارة عن قروش قليلة نفرح بها كثيرا، لانها تمكننا من الذهاب للسينما،او شراء مسدس ميه، أو بندقة رش!! وانبولات من البخت.
وعند ذهاب الحجيج للحج، هناك تعبيرات واهازيج خاصة يتغنى بها الصبيان والبنات،فبمجرد سماع الصوت الذي تطلقه الباخرة اليونانية ( ماريانا لاتسي) عند مغادرتها ميناء بنغازي البحري، ننشد نحن الصبيان ( صلى الله عليه وسلم ..... بابور الحجاج تكلم!).اما البنات فلهن طريقة اخرى للتعبير عن مغادرة الحجيج، بالرقص والغناء:( دج دج دج...باتي عدا للحج... جابنا شوي لوبان... فرقنا على الجيران.... قسمنا على العروس... عطتنا عشرة قروش... قسمنا على العجوز... ضربتنا بالعكوز!!).
ثم يأتي عيد الاضحي، أوالعيد الكبير كما نطلق عليه،وهو موعد الذهاب الى سوق السعي وشراء كبش العيد،في اليوم السابق،وفي يوم العيد وبعد صلاة الصبح، تتم مراسم ذبح الخروف، والشوايات والقلاية والعصبان والقديد، والزرادي للبكور!!
ولا استطيع ان انسى من ذاكرتي، حلول موعد الختان، الذي تأخر لاسباب اصابتي وانا صغير بمرض النمنم،وانتظرت في خوف ذلك اليوم واستدعاء الحلاق لتنفيذ المهمة الصعبة، وكان من عاداتنا الشعبية في الختان أو الطهور( تم وضع الحنة في ايدي قبل ان انام، وفي صباح اليوم التالي،لبست قميص ابيض كبير به جيب واسع، مرسوم عند صدر القميص نجمة أو يد خميسة، وبعد حضور المدعوين قام حلاق المنطقة بعملية الختان .ثم قام المدعون بوضع بعض النقود في جيبي،بينما كنت أصرخ وأبكي من شدة الالم!! .
في الشتاء كنا نلعب العاب مخصوصة للشتاء يفرضها البرد القارص والمكوث في البيت وتمضية الوقت في لعبة تسمى(كمادي) يجلس فيها الاطفال في دائرة،ويضعون ايديهم ممدة على الارض، ويبدأ احدهم في عد الايدي مرددا:(كمادي كمادي... وين حوش اولادي... اولادي في الغابة... حنت عليهم ناقة...بالخرص والعلاقة... فلفلة والا كمونة؟) فاذا قال الطفل فلفلة، يقرصه رئيس اللعبة علىكف يده بشدة!، واذا قال كمونة ، يقرصه برفق. وهكذا تجري اللعبة حتى النهاية. وفي لعبة شتوية اخرى، تسمى ( هذي شنو)، نجتمع الصبيان والبنات، لتمضية ليل الشتاء، ونجلس على شكل دائرة، ويضع احدهم يده على الارض، بحيث يضم اصابعه الاربعه، ويترك الابهام مرفوعا كي يمسك به الاعب الاخر، وهكذا حتى يكونون بايديهم هرما مرتفغا على الارض، يبدأ قائد اللعبة في عد أصابع الاطفال المضمومة واحدا بعد الاخر، مبتدئا، من الاسفل، وهو يسأل عند كل أصبع ( هذه شني؟) فيردون عليه كريكمة، وهكذا حتى يصل الى اعلى اصبع وتستمر اللعبة حتى نهايتها.
وكانت الامهات والجدات تحكي لنا في ليالي الشتاء امام كانون الفحم والشاهي والكاكاوية حكايات ما قبل النوم حكايات و"خررايف" قبل النوم مثل، خرافة أم بسيسي " وهو طير اليف، يعتقد انه يجلب البركة،(مرابط)، وتحكي عن( فأر) دخل في عش " أم بسيسي" اثناء غيابها، وعند عودتها، وهو منهمك في أكل طعامها، هاجمته وقطعت ذيله واحتفظت به!.
أخذ الفأر يبكي ويعتذر ويطالبها بالعفو عنه، وارجاع ذيله المقطوع.
وبعد بكاء وعويل الفأر.. أشترطت عليه اذا احضر لها حليبا من عنز زرقاء حديثة الولادة، فسوف تعيد له ذيله!.
ذهب الفأر يبحث عن تلك العنزة الزرقاء من مرعى لاخر مدة طويلة من الزمن، حتى وصل الى مبتغاه، وسلم أم بسيسي الحليب الذي طلبته واخذ ذيله المقطوع!! وكنا نستمع ونتسلى بتلك القضة الجميلة الممتعة، وفي مرات كثيرة ننام قبل ان تنتهي القصة، لنتابع نهايتها في اليوم التالي!.
وفي امسيات الصيف ، كنا نتجمع في الهواء الطلق ونلعب لعبة ( طق طق يا طاقية)، حيث نجلس في دائرة، ويمسك احدنا بطاقية ويلف خلف بقية الاطفال وهو يحبط بالطاقية على رؤوسهم منشدا:( طق طق يا طاقية)فيرد خلفه الاطفال:( رن رن يا جرس ....... احميده راكب فوق فرس).
ويحاول بعدة لفات ان يرمي الطاقية خلسة خلف احد الاطفال فاذا ما انتبه له الطفل، يطارده حول الدائرة في محاولة للمسه او الامساك به، قبل ان يجلس في المكان الفارغ في الدائرة، ومن يفشل ياخذ الدور في اللعبة وهكذا حتى نهاية اللعبة.
وكنا نتسلى نحن الصبيان، بلعبة طريفة ومسلية، هي لعبة ( وين حوش بوسعدية)- وهي شخصية متسول درويش عاش في مدينة بنغازي-.. فحين نقصد مكانا معينا، ولا نريد أن نشعر بالتعب ، يقف احدنا خلف الاخر ، ويدس رأسه في ظهره، واضعا يديه على كتفي الامامي، ويسيران وهما يتبادلان الحوار التالي:(الخلفي: وين حوش بوسعدية؟ الامامي: قدم لقدام شويه)، ويستمران في هذا المنوال حتى يصلان لمقصدهما.أما البنات فكن يتجمعن مع ويسرن بطريقة ايقاعية منظمة ، بحيث تضع كل واحدة منهن يديها على كتفي صاحبتها، خابطات الارض منشدات هذه الكلمات:(ياواح واح واح .... هضك النجع راح .... فيه سلوقية .... حمراء وملوقية..... ارويسها عريان.... بالقمل والصيبان .... قالولي فليها.... حلفت منفليها .... نين ايجي قاضيها .... قاضيها في سوسه ....عفس على خنفوسه .... يحسابها عروسه.... ركبها في الكروسه).
وفي الايام العادية، كانت التسلية في الذهاب، لمشاهدة مباريات كرة القدم في الملعب البلدي أو ملعب 24 ديسمبر، وخاصة في مباريات القمة بين الاهلي والهلال( والجمهور يصيح في التروبونة الشعبية في الشمس... الاهلي لابس خط النار) وتروبونة الهلال في الظل، تشجع فريق اللعب النظيف والمتعة!).. وكان هناك فرق اخرى شهيرة مثل النجمة، ومن بعدها التحدي والنصر.
وكان هناك السيرك الايطالي في الملعب البلدي( حيث متعة التفرج على سمينة عشر قروش!! والغوريلا الشريرة!).
وكان هناك السينمات( الحرية... هرقل وماشيستا، ومحاولة التسلل الى صالة العرض بطريقة... خششني معاك يا سيدي!!)
. والمنادي ينادي على بضاعته.. قز..قز يوزع السينالكو والاناناس والبرتيلو. وفي الخارج تباع الزريعة والكاكوية ومستكة السبع وشوكولاطة قرشين.
وفي يوم الجمعة كنا مجموعة من الاصدقاء نذهب الى سينمات اخرى قريبة وبعيدة مثل سينما النهضة،وريكس وبرنيتشي في البلاد، وهايتي في الفندق، والزهراء في البركة، والشعبية في بن يونس، والوحدة في بوزغيبة، وغيرها. نتمتع بمشاهدة الافلام المصرية وافلام الكاوبواي( الطقش) والعيل (البطل) الذي يتفوق على الجميع!!.
تمتعنا بكل شئ رغم العوز والحاجة، شربنا السحلب الساخن بالقرفة، واكلنا الفول الطايب، في ايام الشتاء القارص، وبرد يا عطشان، وبزع روح بالخراطة، والجولاطي من عربة سيدي عثمان تربل وفي فصل الربيع تمتعنا باكل القعمول والغرمبوش والبطوم وكريشة الجدي.
مع ملامح شخصيات ما زالت في الذاكرة....
والدي المتعلم، المنفتح على الجميع، ووالدتي الحنونة التي غادرت قبل ان اشبع منها!، وباتي فرج (عمي)، وعمتي خويره وعمتي عيشه وعمتي فاطمة، وخالتي وريده وخالتي مبروكة، وخالتي عيشه،وجدي شحوته، وخالي فرج.
وهناك شخصيات اخرى مثل الفقي احميد مؤذن جامع العقيب، والفقي عمران الذي علمني القرآن، والاستاذ يوسف معلم الحساب في المدرسة الابتدائية،........
والحاجة "خيرية " وهى قابلة قانونية، يهودية ثم اسلمت، ولدت على يديها. 
وسى زايد صاحب ألذ هامبورجر أكلته في حياتي . وسى خليفة المتخصص فى اعداد وجبة(الفاصوليا بالكرشه المميزة) وشخصية (كوشت ليبيا) العجوز السمراء البشرة، القصيرة،التي ترطن باللهجة الافريقية، ولا أعرف ماذا تقول.... 
ودادة (مسعودة)، التي تبيعنا الحمص والفول والكاكوية المحمصة اللذيذة. 
وعوض كشلك الذي كنا نشتري منه الكراسات والادوات المدرسية.
وإحريف صاحب المقهى الخاص بنادى الهلال الرّياضى، والشاهي بالكاكاوية!......
وجارتنا في شارع العقيب "مريم اليهودية"، البيضاء البشَرة، مفرطة البدانة،التي تمضى معظم نهارها جالسة فى شباكها الواسع، الذى كانت تملأه بحجمها وبدانتها التي تعيق حركتها، وقدرتها على المشى، فكانت تُدَلى (قُفة سعف) بها نقود وقائمة بإحتياجاتها، وقد اعتدت أنا وغيري من أبناء الجيران على تلبية طلباتها،باعتبارها وحيدة، ولانها كانت صديقة والدي يرحمه الله.


مصادر:
= طيارة ورق/ سكينة بن عامر
= قاموس بنغازي القديمة/عمران الجلالي

بنغازيات ... منارة خريبيش


بنغازيات ... منارة خريبيش


عبد السلام الزغيبي


حزمت اوراقي ولملمت حاجياتي،وودعت الاصدقاء في أثينا، وعزمت على السفر الى بنغازي... وبنغازي وإن طال السفر... لا وجود لرحلات جوية مباشرة بين بنغازي وأثينا، ولابد من السفر للقاهرة، ومن هناك بالطريق البري لبنغازي... في القاهرة كان باستقبالي ابن اخي وليد، القادم هو الاخر من تونس، بعد ان استطاع الخروج من طرابلس في بداية الاحداث..مكثنا يومين في القاهرة ومن هناك ذهبنا بالقطار الى الاسكندرية التي وصلناها مساء، حيث كان شقيقي سعد ،وابن اخي عمر في انتظارنا بالسيارة لنسافر الى بنغازي، وبعد السلامات والسؤال عن الاحوال،ذهبنا الى الشقة لنرتاح، وفي ظهر اليوم الثاني، غادرنا الى بنغازي.وصلنا الى بوابة الحدود المصرية ثم الليبية فوجدنا الامور مختلفة والمعاملة طيبة وعلم الاستقلال يرفرف على المكان. كانت السيارة تنهب الارض نهبا، وتوقفنا مرة لتناول الاكل والشاهي،ثم وصلنا طريقنا، وهاهي نصف ساعة أو اقل لنصل بنغازي، وبالتحديد عند بلدة توكرة التي اسسها الاغريق، وتبعد حوالي 70 كيلومتر من بنغازي. ومررنا على بلدة سي خليفة،ثم بلدة الكويفية على مشارف مدينة بنغازي... 
دقائق وندخل بنغازي من بوابة الكويفية، والاسئلة تلهبت مشاعري وتفكيري وجعلتني كـسّـابح في الفضـاء يغمر كيانه الفرح الشّديد ويهز وجدانه بأحاسيس جميلة ، إنّـها مشاعر فرح وسعادة فاقت كلّ أحاسيس ولحظات الفرح والسّرور التي عشتها طيلة حياتي ، هذه المشاعر تختلف نوعًـا ودرجة عن أي مشـاعر !! مشاعر وأحاسيس هذه اللحظة ، لحظة العودة إلى أرض الوطن بعد غياب دام 14 سنة ، الى مدينتي بنغــازي التي يحمـل لهـا سكـانهـا عشقـاً خـاصـاً وارتبـاطاً لا ينفصـم عـراه ، يحبـونهـا بجنــون ويسمـونهـا بـ " ربـايـة الـذائـح".
اول ما يلفت انتباهك بمجرد دخولك بنغازي عبر مدخل الكويفية هو إختفاء اللون الاخضر واليافطات والخرقة الخضراء، وصور القائد الملهم وشعارات الكتاب الاخضر التي كانت تصادفك في كل مكان في مدينة بنغازي.

الذي وصفها الشّاعر الدّكتور عَلي السّاحلي يرحمه الله ، 

قالوا هنا بنغازي قلت وهل سوي 
بنغازي ملعب صبوتي ومراحي 
بنغازي مهد طفولتي وفتوتي
ورجولتي وكهولتي وكفاحي
أزكي من الريحان ريح سباخها
بل من أريج المسك والتفاح


في الطريق الى وسط المدينة مرينا على اللثامة،والزريريعية
ودكاكين حميد والصابري.. عرجون الفل.. . الصابرى عمره ما ذل 
الصابري زين على زين .. الصابري ورد وياسمين .
حيث البيوت القديمة العامرة بالحب والمودة، والحصران الممدوة في الشارع، وطاسة الشاهي الخضرة.. الصابري .. زرائب العبيد حيث الدنقة والغيطة والرقص ... الصابري.. الرياضة ومنها خرج اقدم فريق رياضي ليبي عام 1926، وفي الفن والادب، ال زغبية(الادباء محمد وخالد وابراهيم)،المخرج المسرحي داوود الحوتي، والكاتب المسرحي علي الفلاح، ومن زرايب الصابري، خرج الفنان الشعبي" "احميدة سعيد الوداوي" الشهير باحميده درنة " صاحب الصوت الرقيق العذب القوي، واغانيه المرسكاوية الشهيرة" ومن امثلتها:
نريد نرسلك تمشيش ياشوشانه
تجيبى خبر ريدى ووين مكانه

*********
نريد نرسلك تمشي له
بوعين سوده لابس التكليله
من فرقته جردى غلبنى شيله
فى وسط قلبى والعه نيرانه
*********
نرسلك ياجاره
تجيبى خبر ريدى ووين دياره
من فرقته قلبى شعيله ناره
جانى الخبر نازل على زيانه
********
نرسلك لاغادى
لبوعيون يرزن فالتات عوادى
من فرقته قلبى انحرق م البادى
قالوا مريض وحالته تعبانه
وفي الاعراس الشعبية يغني، اغنيته الشهيرة
سيدي الفقي لو ريت بوتكليلة.. يحرم عليك الدرس ما تمشيله. والتبرويلة تقول:
أنت يلي شالك لاويه.... جرحت الخاطر روف عليه
شالك ملفوف..
خمسطاشر لفه عالجوف
الخاطر من عشقك ملهوف
طلب مرّة في العمر عطيه
وانت ياللي شـــــــالك لاويه

وعلى وقع هذه الانغام الجميلة نواصل طريقنا بهدوء و...
نقترب من شط توريللي، قرب شاطئ البحر وبجوار منارة إرشاد السفن العتيقة " منارة خريبيش " ، المنارة التي التي شيدت عام 1935م،ويبلغ ارتفاعها 41مترا، وتقوم عائلة بشون على خدمتها منذ سنوات طويلة، و كانت تستخدم فى أكثر من غرض .. فيها خزانات لمياه البحر ، ومياه الشرب وفى أزمنة سابقة كانت مصدرا للحياة فى حى خريبيش القديم .. إضافة إلى كونها تهدى السفن القادمة للميناء لتلافى الأماكن الوعرة فى البحر ولتلافي أخطارها.. ولقد كان لذلك الحي شوارعه، وازقته ، ومساجده العريقة،مثل جامع المدنية وعمره أكثر من مائة عام، ، وشخصياته الشعبية، " المطرب الشعبي علي الجهاني- عليويكه، واغانيه الشعبية التي طالما امتعت عشاقه.." يا طير سلملي علي غاليا....سلاماً يرد الروح ترجع ليا" دابين حى الشمس وانا واعى ..... وليا غربت يلفن عليا اوجاعى"، ومن الحانه المميزة اغنية"شاطت نارك في كنيني واقده...وإنت ما تسالي عليّ راقده". واغنية ( لوكان يابه خاطرى يهنيني… ) كما غني عشرات الاغاني التي ساهمت في اثراء الفن الشعبي الغنائي الليبي.
وفي تلك المناطق عاش الرياضي احمد بشون، والمطربين محمد مختار ،محمد صدقى ،على الشعالية "،ولـ" سي خريبيش" افراحه، وغيطته المميزة في الاعراس" الطير الابيض وارد على البير، متحزم بحزام حرير... قولو لمي يانا المريض ، سبب دايا بوحزام عريض! الغيطة لنا يا كذاب بحرية وعيال بلاد!!
ونصل الشابي... ويجرنا الحديث الى السجن القديم، هوتيل نجمي ومطعم بوذراع .. وسي ونيس بوذراع وشقيقه فرج، والفرجاني منينة ومصطفى السنفاز وسالم ورمضان الشركسي، الذين قرروا الذهاب للجهاد في فلسطين ضد قيام دولة الصهاينة!، الزاوية الرفاعية وسي المغربي الشريف شيخ الزاوية، وجامع بن كاطو، وعن ازقة وشوارع المنطقة، عن سالم بشون ملحن النشيد البرقاوي،" نحن ياليبيا الفدا"، كلمات المرحوم الأستاذ محمد بشير المغيربي. ولسالم بشون قصيدة مشهورة هي قصيدة من الحان الزمن الجميل وهي " الارض" اداها الراحل محمد صدقي.. وتقول كلماتها :

هذه الأرض هي العرض لنا
قد سقينا تربها من دمنا
كيف نرضى أن نراها وطنـا
لعدانا أو سوانا أبدا أبدا

والفنان رجب البكوش مؤسس المسرح في بنغازي عام 1936، والشاعر الغنائي مسعود بشون، صاحب أعذب الكلمات في الاغنية الليبية، ومنها اغنية" ريدي اليوم باعث لي سلامه،،، بعد الياس جا امجدد غرامه".الذي اداها المطرب محمد رشيد. كما كتب كلمات اغنية" يطق القلب وأمجور عليا،،، جابد شوق من ماضي الغية" من اداء نوري كمال.
وعاش في المنطقة الكثير من العائلات الليبية العريقة مثل: بودلال، بوذراع ، حويو، الربع، باله، الهباب، البكوش، البناني، الشابي، النخاط، بوحلفاية، الصلابي، القاضي، شمبش، المغبوب، العنيزي، الكوافي، الصادق الورفلي، زغبية"، الطواحني،ماعونة، الماقني،بشون،بوحلفاية،قرقوم، المغربي الشريف، نجم، السعداوي، العدولي،.

ومن هناك الى ثم ميدان سوق الحوت ومنه الى شارع العقيب.. مسقط الراس..
حيث تجمع خيرة عائلات بنغازى،الذي ربطت بينهم على الدوام أواصر حسن الجوار، والمحبة والاخوة : بسيكري،بن حليم،البابور، بن عامر،المخزومي، عثمان الصادق،الفلاح، التركي، بن صويد، الضراط، بوسن، سميو، بن هلوم، بوجازية،الكيخيا، كريميش،الزغيبي، سحيم ، البسيوني،الدرفيلي،كدوم، قيني،تربل، اطلوبة، النعاس، المساك،الدراجي، الى جانب عائلات ايطالية ويونانية، سكنت فيما كان يعرف بالحي الاوروبي من المدينة.
عندما عدت للمرة الثانية من اليونان الى بنغازي كان ذلك في يوليو من عام 2011 ،شعرت بشعور مختلف، و بإرتياح كبير وطمأنينة عميقة .... وبسبب ما حدث في 17 فبراير ... عدت الى بنغازى... التي أعرفها... لكنى لم أجدها يا عمر الصغير... وشعرك الحرير الذي كان طويلا اسودا... فقط كانت اطلال تبكينا كما نحن نبكيها... وكثيرا ما تذكّرت كيف كانت.... كنت اطوف بنغازى من الصباح حتى غروب شمسها الباكر الذى أشاهده وأشهده كل يوم من عند "الكابترانيا" التي لا تبعد عن بيتنا الا بأمتار قليلة، بعد ان أمر على الكنيسة الكاتدرائية وأسمع زقزقة العصافير عند كشك عمران، وأظنها قد رحلت هي الاخرى!!!... ماذا أقول ولمن اشتكي يا عمر.. فالدموع غلبتي وتساقطت دون أرادتي على " الكي بورد"... آه ثم آه... لماذا ورطتني وألحيت علي كي اكتب هذه الذكريات الجميلة والأليمة في نفس الوقت.. ذكريات أريدها أن تعود، ولكن هيهات..أو كما قال الشاعر
محمد بن عبد الملك الزيات يشتكي مصابه ويذكر فجيعته ويبكي على زمانه:
عَرِيت من الشباب وكنتُ غَضّا كما يعرى من الورق القضيبُ
ونُحْت على الشباب بدمع عيني فما نفع البكاءُ ولا النحيبُ
فيا أسفا أسِفتُ على شباب نفاه الشيبُ والرأسُ الخضيبُ
ألا ليت الشبابَ يعودُ يوما فأخبرهُ بما فعل المشيبُ

عدت يا عمورة... لاستعادة أسمـاء وذكـريـات قـديمـة، لا لمجـرد التـذكـر فقـط ، بـل أحـاول استعـادة روح المكـان والـزمـان ، وعبـق الأزقـة والشـوارع المنسيـة ، ومـلامـح وجـوه العـابريـن فـي حيـاتنـا منـذ سنـوات وسنــوات علنـا نشعـر بشــيء مـن الـدِف والطمأنينة فـي زمـن متسارع سبــر أغـواره .
ذلـك الـزمـن الطيـب الجميـل الـذي كـان النـاس فيـه سعـداء بشكـلٍ مـا رغـم الفقـر وضنـك العيـش ، .. زمن مظـاهـر الحيـاة البسيطـة .. الأسـواق و مـلاعـب الكـرة والمسارح والاسواق الشعبية .. المطربين، اصحاب الحرف، الثقـافـة والفكـر فـي بنغـازي، أعـلام وأسمـاء فـي تاريـخ بنغـازي تكـاد تسقطهـم ذاكـرة الأجيـال الجــديـدة ..
لكن لم أجد اشياء كثيرة أحببتها وعشقتها وميزت بنغازي عن باقي المدن، ولعلها سنة الحياة والتغيير الذي طال كل شئ..
لم اجد .. جـريـدة الحقيقـة وكتـابهـا الرائعيـن الـذيـن استطاعوا ، بصـدق كتاباتهـم ودف المشـاعـر الطـاغيـة بأحرف كلمـاتهـم أن يوقفـوا النـاس طوابيـر أمـام أكشـاك بيـع الصحـف منتظـربن مقـالاتهـم .. 
لم اجد بنغازي.. الطرب الاصيل، شادي الجبل.. السيد بومدين" طولتي الغيبة". والشعالية" نور عيون" وعمر المخزومي " شقيت في غيابه اليوم لاقاني وطي النظر ما تقول عمره راني" ومحمد صدقي" طيرين في عش الوفا" ومحمد مختار" يا عزيز عليا مبروك عيدك"، الوردة الليبية .. الفونشة" الرجا يا عيني". عطية محسن وعادل عبد المجيد. ووجدت طغيان موسيقى الراب الشبابية!
لم أجد هوتيل " عمر الخيام " بل وجدت امامي ينهض مبنى مهجور يملاؤه الحطام والركام، بعد ان كان زينة بنغازي. 
لم أجد حافلات النقل العام، بل باصات الربع جنيه التي وفرت على الحكومة، حل مشكلة المواصلات في دولة نفطية!
وجدت سينما البرنيتشي على حالها لسنوات طويلة تتعانق و تتعالق عليها ( السّقالات )، مع وقف تنفيذ أعمال الصيانة .
غابت "ديار جليانة" وغاب سوق الظلام، وشجرة الميدان، وضريح المختار، ومدرسة الامير، ... وتعرض مبنى البريد المركزي للاهمال. ومازالت المدينة الرياضية تنتظر الصيانة! وبحيرة 23 يوليو الى التنظيف، وكورنيش بنغازي الى استكمال طريقه!.
وأطلق صرخة من أجل الحفاظ على بيت شاعر الوطن أحمد رفيق المهدوي الذي نعتبره معلماً من معالم المدينة، وجزءاً هاماً من ذاكرة الأمّة والأجيال. البيت الذي كان يسكنه شاعرنا الكبير يشكو من تصدع وتهالك في الجدران، وانهيارات أخرى ربّما تقضي على هذا المبنى الأثري الهام.
ومن أجل الاهتمام قبل فوات الاوان، بواحد من اقدم جوامع بنغازي وهو جامع عصمان الذي يعاني من حالة الإهمال التي يتعرض لها .. وحاجته الماسة إلى الصيانة قبل أن يتهاوى وينهار ... والمحافظه عليه، بأعتباره معلما بارزا من معالم المدينة ..
وتأسفت على عمارة ( السرقسيوني ) المتهالكة ،التي من الممكن ان تسقط فوق روؤس المارين من تحتها في أي لحظة! 
آلمني اطلاق النار الكثيف، ورمي الجولاطينا، وترويع الاطفال والشيوخ والنساء في الافراح والاتراح!
لم تسرني مناظر الجلابيب السوداء المتنقلة المنتشرة في البلاد، وكآن التدين والتحجب، لا يتحقق بلبس ملابس محتشمة بالوان زاهية تسر الخاطر!
رأيت المجاري الطافحة في اشهر شوارع وسط بنغازي، والقمامة المتكومة في كل مكان!
سمعت عن أحياء عشوائية ومدن صفيح، يعاني سكانها من عدم وجود خدمات كافية من مياه وكهرباء وفرص عمل ، فيما تحيط منازله برك مياه الصرف الصحي التي تتكاثر بها الحشرات ، خاصة الناموس.
سمعت عن قصص المدرسين والمدرسات المقلصات الذين تم استبعادهم من وظائفهم في عهد القذافي، وينتظرون تسوية اوضاعهم. وقصة جماعة توزيع الثروة ومن يستحقها؟ المنظومة، اعادة الهيكلة.. واشياء اخرى لم افهمها!
لاحظت اختفاء سوق الحوت والباعة ينادون على البضاعة" هيا قرب "" الشولة" بجنيه ونص بس! هيا قرب على الحمراية!..
والحوت والصبارص والليم القارص !! 

شاهدت صور جريمة هدم مقر النادي الأهلي عـــام 2000هذه الجريمة الوحشية في حق نادي ليبي رياضي ثقافي إجتماعي وفي واقعة هي الأولى من نوعها في العــــــــــــالم في عهد الساعدي معمر القذافي رئيس الإتحاد العام الليبي لكرة القدم... الاهلي صاحب التاريخ العريق والبطولات... الاهلي ابن صويد والمكي والعفاس والبشاري ومرسال وونيس خير والبرناوي والزاوي و الحشاني والفزاني والخطيطي وبن صريتي وخميس الفلاح. 
رأيت الشباب العاطلين عن العمل في نواصي الشوارع يقتلون الفراغ ويقتلهم في رأس الشوكة! ورأيت المظاهر المسلحة وتهورات بعض الشباب التي قادت الى ماسي وكوارث ادت باصحابها الى المستشفيات.
شعرت بالألم ، عندما تجولت في شوارع ما يعرف ،المدينة القديمة ، الذي يسمونها في اوروبا ((المركز التاريخى) فالاهمال وعدم التطوير، وعمليات الهدم والتخريب على يد لصوص المدينة القديمة،تسبب في ركود المدينة الاقتصادى والعمرانى والتجارى الذى شهدته في الماضي. وافسد معالمها التاريخية.
والكارثة واضحة بشكل خاص في منطقة سوق الحشيش ، التي كانت بمثابة القلب الروحي لمدينة بنغازي,و اكبر أسواقها ، ومن هذا المنطقة، خرج أعلام بنغازي في شتى المجالات ( الصادق النيهوم، خليفة الفاخري، خديجة الجهمي،أ حمد الرويعي، محمد عبد الرازق المناع، يوسف الدلنسي، النقابي رجب النيهوم)،وهذه المنطقة، ممكن ان تتحول بقليل من الجهد والاهتمام الى مكان لمهرجان شعبي دائم بازقته وشوارعه ومبانيها الفريدة، 
ولا استثني من ذلك باقي شوارع المدينة، فهي اليوم من الناحية المادية شبه ميتة، فقيرة مدقعة متهالكة البنيان، نتيجة الإهمال والعقاب شبه الجماعي لأهلها. 
انتشار محلات الاكشاك العشوائية وبيع السجائر، وغسل السيارات في الشوارع والساحات، والمبرر، ندرة الشغل عند الشباب! قلت أحسن من بيع اشياء اخرى ممنوعة!
في المآتم غابت قراءة القرآن على روح الميت، وعوض عنها، بدأنا نسمع اطلاق العيارات النارية في الهواء، الى جانب عادة الاكل بعد تقديم واجب العزاء في السهرية، تأتي قصاعي الأرز واللحم.. مع الفلفل الاخضر.. وفجأة تنقلب الكراسي البلاستيك البيضاء، وتتحول الى مائدة (شرط وضع الرجل عليها لحفظ التوازن)، ثم كشف الغطاء والتقاط الملاعق، وهاك يا رز وهاك يا لحم؟ … خلال دقائق تختفي القصاع، ويبدأ الصغار في توزيع طاسات الشاي الخضرة والحمراء..!

لم أجد شخصيــة عرفتها وكثيرا ما ترددت انا واصحابي مشجعي الهلال على بيته .. بيت الكرم .. شخصية لا ابـالـغ إن قلت ان كـل سكـان هـذه المـدينـة يعرفها .. شخصيــة اشتهرت بالمـرح والــود والألفــة ، وإطلاق النكــات والقفشــات الضـاحكـة ، التـي كـانـت ترددهـا المـدينـة فـي حلقــات سمـرهـا .. انه حسين قرقوم الذي عـرفــه النــاس بلقبــه الشهيــر ( الحيطــة)!. 
وكـان الناس في بنغازي، يرددون نكــاتـه وقفشــاتـه الشهيــرة التـي منحـه الله قـدرة عجيبـة علـى ارتجــالهــا بسـلاسـة وخفـة دم كبيـرين .
ووجدت خالتي رجعه، اصغر خالاتي،والوحيدة الباقية على قيد الحياة، خالتي الطيبة الودودة، الذي طالما اكلت الذ خبزة " حلوزي" من يديها.. شفاها الله.
وسعدت بلقاء اصدقاء الكورة .. " سعد الجازوي ومنصور العبار، وبرهوم" ورفاق المدرسة" توفيق بن علي، وفوزي فطنة،محمود الفلاح، وحسين الفرجاني" وانور طلوبة، وحسين عبد الله عثمان، وشلة المسرح الحديث" خليفة الحوات ومفتاح بادي" وشلة اليونان" عبد السلام المجدوب وفيصل الورفلي، وصلاح الغول،وصالح الشريف، وشريف بوقرين، وعادل الغول، واحميده الطيناش، ومصطفى الطراح، ومحمد المجبري، وناصر العنيزي.
ورفقة الطفولة.. عقيلة بسيكري، عصام الدراجي، مادي تربل، ارحيمة وادريس الدرفيلي، زكريا وحسن التركي،ورمضان قيني، ومحمد الكيخيا،ومحمد الشويهدي،عبد السلام الدراجي. 
ومن شارع العقيب أنتقل الى حي سيدي حسين،حيث انصهر الجميع الغني والفقير، العالم والجاهل، كان التعاون والتسامح وصلة القربى وقوة الصداقة سمة ظاهرة بين سكانه، ومن بين شوارعه وازقته، خرج أبناء ساهموا في العطاء من وزراء " عبد القادر البدري" أساتذة عبدالمولي دغمان أستاذ في الجامعة الليبية ،وأكاديميين لمهندس سليمان عبدالقادر المراقب العام للإخوان المسلمين. ومهندسي طيران وحرفيين ومهنيين" مهندس اتصالات عبد الله شحات" وكتاب وشعراء ومنهم شاعرنا الراحل الكبير محمد الشلطامي وأدباء ومشايخ دين الشيخ سالم زوبي. ورياضيين"فرج ساطي - ظهير أيمن فريق الأهلي.
وهناك مازال يقطن خالي منصور شحات، الذي وهبه الله خفــة الـدم والقــدرة علــى الضحــك والإضحـاك، وسرعة البديهة، وارتجال الشعر.
وملاصق لسيدي حسين هناك (حي السكابلي) ببيوته الجميلة وعبير زهوره ووروده، والجيره السمحة مع المسؤولين في العهد الباهي!.أحمدالصويدق وزير الرياضه وبعدين الاقتصاد . عبدالحميد العبار رئيس مجلس الشيوخ .حسين طاهر عضو مجلس شيوخ وكان وزير صحه .الزعيم السنوسي لطيوش قائدالجيش .حامدالعبيدي وزير الدفاع وبعدين التخطيط .
لا استطيع من خلال زيارة لمدة شهر او اكثر ، أن أوجز في مقالة، أو أن أرسم الصورة الواقعية للحياة الاجتماعية الفعلية للحال الليبية من خلآل الأحداث والوقائع، ولكني حاولت رصد جملة من المشاهدات والصور التي مرت علي اثناء اقامتي القصيرة ومن خلال قصص رواها لي الاصدقاء والمعارف.
لاا ستطيع ان اخفي عليكم بان كثير من الامور تغيرت ولكن اكثر شيء تغير هم الناس، وعندما أقول الناس فأعني بذلك طبائعهم، فالوجوه هي نفسها، ولكن الطبائع تغيرت، والسلوكيات كذلك. لعل التغير أو التبدل في أحوال الناس والثقافات والمجتمعات شئ طبيعي.
من الناس من باع نفسه للشيطان الاكبر،ومنهم من ظل وفيا لمبادئه وقيمه. منهم من دخل السجن الصغير، في معتقلات القذافي، ومنهم من بقى في السجن الكبير، تحت مراقبة الرجل الاكبر! منهم من ارتضى بالعيش الكريم، ومنهم من نهب وسرق وباع الشرف والوطن! دفع الثمن ولم يقبض الا الريح! منهم من سافر وتغرب، ودفع اطفاله ثمن الغربة! منهم من دخل في صراع الاخوة الاعداء على الارض والرزق والميراث، بعد أن فرقت بينهم الزوجات والابناء! منهم من ترك مقاعد الدراسة والعمل والمستقبل المنتظر، ليذهب ليشارك في معركة التحرير، طلبا للشهادة دفاعا عن الارض والعرض.
انها بنغازي.. أحببت شوارعها .. أزقتها .. أحياءها .. مقابرها .. مطاعمها .. مقاهيها .. ملاعـبها .. سباخها .. ملحها .. غبارها .. شمسها الشارقة والغاربة .. قمرها الخجول .. بحرها المتماوج .. منارتها الأبدية الومض .. أعلامها الطيبين.. مفتاح الهندياني .. بازامة .. شرِكَة .. حيطة .. احميده فاصوليا .. بابا سليم .. 

ورددت مع صغارها اغاني مازالت عالقة في ذاكرتي..

يا ليل ياعين .. بين البركة وسيدي حسين ..
ياليل ياعين طول السلك يودر يـبرة ..
يا ليل يا عين يلعن جد سواني تيكا ..
يا ليل يا عين واللي حج مع الدوكالي ..

مراجع: أحمد محمد العنيزي/ موقع جيل ليبيا